الإمارات

قصة “المحتال” الذي خدع مصرفاً إماراتياً بـ”السحر الأسود”…

بالرغم من كل وقائع البذخ والإسراف بمئات ملايين الدولارات خلال عقدين من الزمن، أنكر الأفريقي فوتانغا باباني سيسوكو، مجدداً، التهم المنسوبة إليه بتنفيذ أكبر عملية احتيال مالي في العالم بوساطة “السحر الأسود”، استهدفت في أغسطس/آب 1995 “بنك دبي الإسلامي” وأضاعت 242 مليون دولار على المصرف الإماراتي الذي لا يزال عبثاً يلاحقها في المحاكم.

جديد القضية هو الإنكار المباشر من المتهم، الذي تصيّدت مقابلة معه مراسلة “بي بي سي”، بريجيت شيفر، في مسقط رأسه، مالي، حيث لا يزال طليقا لم يدخل السجن يوما واحدا، لا بل دخل عوضا عن ذلك الندوة البرلمانية نائبا عن الشعب 12 عاما، بين عامي 2002 لغاية 2014، ما منحه حصانة سياسية ضد الملاحقة القضائية.

شيفر تقول إنها وصلت إلى بيت الرجل بالقرب من قريته الأصلية، دابيا، على حدود مالي المتاخمة لغينيا والسنغال، حيث ظهر سيسوكو السبعيني محاطا بحراس مسلحين.

تنقل شيفر عن سيسوكو قوله: “اسمي سيسوكو فوتانغا ديت باباني. أتعرفين أنه في اليوم الذي ولدت فيه احترقت كل القرى المحيطة بالمنطقة، وخرج القرويون يصرخون: ماريتو رزق بصبي”، ليتناول بعد ذلك جهوده لإعادة بناء القرية عام 1985، وعن ثروته التي ناهزت 400 مليون دولار.

ومع ذلك، يقول سيسوكو لـ”بي بي سي” عن اتهامه بالاحتيال على “بنك دبي الإسلامي”: “إنها قصة مجنونة قليلا. مسؤولو المصرف يجب أن يشرحوا كيف ضاعت كل هذه الأموال. أعني 242 مليون دولار”.

ويضيف: “كيف يمكن نقل هذه الأموال من البنك، ما الطريقة التي تم بها هذا؟ هذه هي المشكلة. الأمر لا يتعلق بهذا الرجل وحده (مدير البنك محمد أيوب) الذي أعطى أوامر النقل. فعندما ينقل بنك أموالا لا يتعلق الأمر بشخص واحد، بل إن كثيرا من الناس يتدخلون في العملية”.

وعندما قالت له شيفر إن “أيوب أقر في المحكمة بأنك أثّرت فيه بالسحر”، تقول إنه اعترف فقط بأنه التقى الرجل، لكنه نفى السرقة، مشيراً إلى أن “الاتصال الوحيد معه حصل عندما ذهبت لشراء سيارة يابانية الصنع. فقد اشتراها البنك من أجلي وسددت قيمة القرض”.

وعما إذا كان باستطاعته أن يسيطر على الناس باستخدام السحر الأسود، يقول سيسوكو لـ”بي بي سي”: “إذا امتلك شخص هذه القوة، فلماذا يضطر إلى العمل؟ يمكنك بهذه القوة الجلوس مكانك وسرقة كل بنوك العالم، في الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وكل مكان آخر. حتى هنا في أفريقيا”.

ولمّا سألته المراسلة عما إذا كان لا يزال ثريا، قال: “لا، لم أعد ثريا، أنا فقير”، معتبرة أن سيسوكو نجح في تحدي الإنتربول، وقضى 20 عاما هاربا حتى لو كان قد بدد كل أمواله، ولم يعد باستطاعته مغادرة مالي.

شيفر تتبّعت في تحقيق استقصائي الأشخاص المرتبطين بالقضية قبل الوصول إلى مقر إقامة سيسوكو، وأجمعوا تقريبا على سخائه وإفراطه في صرف الملايين.

وتروي شيفر في تحقيق “بي بي سي” أن بداية القضية انطلقت عندما ذهب سيسوكو في الإمارات لطلب قرض سيارة من بنك دبي الإسلامي، وهي الواقعة الوحيدة التي يقر بها، لكنها تقول إن الخطأ الذي ارتكبه مدير البنك أيوب، كان قبول دعوة سيسوكو على العشاء عرفانا بجميل الموافقة على القرض.

لكن أثناء العشاء ادعى سيسوكو، بحسب التحقيق، امتلاكه قدرات سحرية تمكّنه من “توليد الأموال”، بمعنى مضاعفة أي مبلغ، ودعا أيوب للقاء آخر ومعه مبلغ من المال لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال، قبل أن يستسلم أيوب تماما لرجل الأعمال الغامض وصاحب الملابس المزركشة.

ويصف محقق من ميامي، آلان فاين، كما يروي التحقيق، استعان به البنك الإماراتي لاحقا للتحقيق في الجريمة، ما حدث قائلا: “أيوب آمن بأن ما حدث كان سحرا أسود، وأن سيسوكو بالفعل قادر على مضاعفة الأموال”.

وبحسب أوراق القضية، أجرى أيوب 183 تحويلا ماليا إلى حسابات سيسوكو حول العالم، في الفترة من 1995 إلى 1998. كما عمل سيسوكو على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين بحسب فاين، وكان أيوب يتولى تسوية هذه الأموال بدلا منه.

وفي عام 1998، سرت شائعات عن أزمة سيولة في المصرف. ويقول فاين، بحسب مراسلة “بي بي سي”، إن “مالكي البنك تعرضوا لضربة كبيرة وكبيرة جدا. ولم تكن أموال التأمينات لتغطيها”. وما أنقذهم هو وقوف الحكومة إلى جانبهم ومساعدتهم، “لكنهم تخلوا عن الكثير من حصتهم في البنك مقابل هذا”، فيما كان سيسوكو بعيدا جدا ينعم بأموال المصرف.

وينقل التحقيق عن فاين قوله إن سيسوكو “دخل إلى مقر سيتي بنك يوما ما، بدون موعد سابق، والتقى بإحدى الموظفات في قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوجها”. وقد “لعبت دورا في تسهيل علاقته مع سيتي بنك الأميركي، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكنني تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة”.

ووفقا للقضية التي رفعها بنك دبي الإسلامي ضد سيتي بنك الأميركي، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار، “خصمها سيتي بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبي الإسلامي من دون إذن مناسب”. وقد تم إسقاط القضية لاحقا. وتبيّن أن للرجل زوجات أخريات، حول العالم.

استفاد سيسوكو من المال منشئاً شركة طيران في غرب أفريقيا. لكنه، برأي معدّة التحقيق، ارتكب ما اعتبرته الصحافية خطأ كبيرا، في يوليو/تموز 1996، عندما حاول شراء مروحيتين من طراز هيوي تعودان لحرب فيتنام، ومن غير المعروف السبب وراء هذه الصفقة. وأصدر الإنتربول أمرا بتوقيف سيسوكو، وتم القبض عليه في جنيف، حيث ذهب إلى فتح حساب مصرفي جديد. وسريعا تم ترحيل سيسوكو إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ في حشد داعمين مؤثرين.

ويورد التحقيق أن قاضي جلسة الاستماع الخاصة بقضيته أصيب بصدمة عندما رأى استعداد دبلوماسيين لضمان سيسوكو. كما فوجئ عندما وجد عضو مجلس الشيوخ الأميركى السابق بيرتش بايه ينضم لفريق الدفاع عنه.

ووفقاً للتحقيق الاستقصائي، كانت الحكومة الأميركية تريد احتجاز سيسوكو في السجن، لكن تم إنقاذه بكفالة 20 مليون دولار، وهو رقم قياسي في ولاية فلوريدا في ذلك الوقت.

في غضون ذلك، بدأت الحقائق تتكشف في الإمارات، وبدأ عملاء بنك دبي الإسلامي يدركون أن شيئا ما خطأ قد وقع. وأصبح مدير البنك أيوب عصبيا، لأن سيسوكو لم يعد يرد على اتصالاته.

لم يتحمل أيوب الضغوط، بحسب التحقيق، فاعترف لأحد زملائه بما حدث معه وتحويله أموالا للخارج، وعندما سأله زميله عن المبالغ التي حولها لم يتجرأ على أن ينطقها وكتبها على ورقة، وكانت المفاجأة أنها بلغت 890 مليون درهم ما يعادل (242 مليون دولار).

وفي النهاية، تشير “بي بي سي” إلى أن أيوب دين بالاحتيال المالي وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات، مع أنباء عن إجباره على الخضوع لعلاج بالقرآن لطرد الجن من جسمه وعلاجه من الإيمان بالسحر الأسود، في حين أن سيسوكو لم يخضع للعدالة قط. وحكمت عليه محكمة في دبي بالسجن غيابيا 3 سنوات للاحتيال المالي وممارسة السحر الأسود، وأصدر الإنتربول مذكرة لاعتقاله وما زال مطلوبا للعدالة.

 (العربي الجديد)

اظهر المزيد

اترك تعليقك

زر الذهاب إلى الأعلى